سورة آل عمران - تفسير التفسير الوسيط

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (آل عمران)


        


{زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَواتِ مِنَ النِّساءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَناطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعامِ وَالْحَرْثِ ذلِكَ مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ (14)} [آل عمران: 3/ 14].
والمعنى: قد زيّن اللّه حب الدنيا للناس وغرس حبها في قلوبهم حتى صار غريزة عندهم، وذلك من أجل تعمير الدنيا وتقدمها، فلو لم يحبها الناس لأهملوها وقصّروا في بناء معالمها، وشهوات الدنيا كثيرة تشتمل على حب النساء والأبناء وتكديس الأموال، وجمع الخيول المسومة أي المعلمة أو السائمة التي ترعى في المروج والمراعي، واقتناء الأنعام (المواشي) وزرع الحبوب وإعداد البساتين، وذلك كله متاع الحياة الدنيا وزينتها أي ما يستمتع به وينتفع به لمدة معلومة محصورة، وتذم هذه الأشياء إن كانت سببا للشر والبعد عن اللّه، وعند ذلك تكون خطرا على صاحبها، أما إن كانت سببا في الخير، ولم تمنع صاحبها من القيام بواجباته الدينية والخيرية والإنسانية، فتكون خيرا له، وعند اللّه حسن المرجع والمآب.
ثم نبّه القرآن الكريم إلى ما هو خير من الدنيا، فقال اللّه تعالى:


{قُلْ أَأُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَأَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوانٌ مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ (15) الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنا إِنَّنا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا وَقِنا عَذابَ النَّارِ (16) الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحارِ (17)} [آل عمران: 3/ 15- 17]. فالذي هو خير من الدنيا وزينتها هو ما عند اللّه للمتقين الأبرار من الجنات التي تجري من تحت أشجارها وغرفها الأنهار، ماكثين فيها على الدوام أبدا، لا يرغبون في بديل عنها، ولهم زوجات طاهرات من دنس الفواحش والشوائب، وهذا هو الجزاء المادي، وهناك جزاء روحي أرفع منه وهو رضوان اللّه على عباده الأتقياء، وهو أكبر وأعظم من كل نعمة، قال اللّه تعالى: {وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَمَساكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (72)} [التوبة: 9/ 72].
وهذا الجزاء المادي والروحي هو للمتقين اللّه حقيقة الذين يقولون: ربنا إننا آمنا بك وبرسلك وكتبك إيمانا حقيقيا صادقا يملأ قلوبنا، فاغفر لنا ذنوبنا، وقنا عذاب النار. وهؤلاء المؤمنون الأتقياء صابرون على تقوى اللّه وعلى قضاء اللّه وعلى كل مكروه، وقانتون خاشعون لله متضرعون إليه، ومنفقون أموالهم في سبيل اللّه ندبا ووجوبا، ومستغفرون اللّه بالأسحار أي قبل طلوع الفجر، وفي هذا الوقت يكون الدعاء مستجابا، ورحمة اللّه شاملة للتائبين من العصيان.
قال النبي صلّى اللّه عليه وسلم: «ينزل ربنا عز وجل كل ليلة إلى سماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الأخير فيقول: من يدعوني فأستجيب له؟ من يسألني فأعطيه؟ فلا يزال كذلك حتى يطلع الفجر».
الشهادة بوجود اللّه ووحدانيته وبأحقية دينه:
قامت الأدلة الكثيرة والبراهين القطعية من خلق الكون وتدبيره على وجود اللّه وتوحيده، وشهدت العوالم المخلوقة شهادة إقرار وعلم ويقين وإظهار وبيان أن اللّه تعالى واحد لا شريك له، وأنه قائم موجود بالعدل والحق في كل شيء، في الدين والشريعة والكون والطبيعة، وفي العبادات والمعاملات والآداب، أتقن اللّه نظام الكون وأحكمه، وعدل بين القوى الروحية والمادية، وكانت الأحكام الشرعية مبنية على أساس التوازن الدقيق بين الفرد والأمة، وبين الفرد والخالق، وبينه وبين نفسه، وبينه وبين أخيه، وبين الأغنياء والفقراء، وبين الدنيا والآخرة، والعقيدة والعمل، قال اللّه تعالى:


{شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُوا الْعِلْمِ قائِماً بِالْقِسْطِ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (18)} [آل عمران: 3/ 18].
قال الكلبي مبينا سبب نزول هذه الآية: لما ظهر رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بالمدينة، قدم عليه حبران من أحبار أهل الشام، فلما أبصرا المدينة، قال أحدهما لصاحبه: ما أشبه هذه المدينة بصفة مدينة النبي الذي يخرج في آخر الزمان. فلما دخلا على النبي صلّى اللّه عليه وسلّم عرفاه بالصفة والنعت، فقالا له: أنت محمد؟ قال: نعم، قالا: وأنت أحمد؟
قال: نعم. قالا: إنا نسألك عن شهادة، فإن أنت أخبرتنا بها آمنا بك وصدّقناك.
فقال لهما رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم: سلاني، فقالا: أخبرنا عن أعظم شهادة في كتاب اللّه.
فأنزل اللّه تعالى على نبيه: {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُوا الْعِلْمِ قائِماً بِالْقِسْطِ} فأسلم الرجلان، وصدّقا برسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم.
وبما أن اللّه يحب عباده، ويرغب لهم بالخير، أورد عقب الآية السابقة ما ارتضاه وأحبه لعباده منذ أن خلق الخلق وإلى يوم القيامة وهو الإسلام، أي الخضوع والانقياد لله والإيمان به والطاعة، ولا خلاف بين جميع الأنبياء والمرسلين في جوهر الدين وهو الإسلام والسلام والإخاء والمحبة، والتوحيد والعدل في كل شيء، ولم يقع الخلاف بين أهل الكتاب وأتباع الأديان إلا بسبب الحسد والبغي أو الظلم والحفاظ على المراكز القائمة والمصالح المادية، والحرص على الدنيا وما فيها، فمن يكفر بآيات اللّه الدالة على وجوده وتوحيده وصدق أنبيائه، فإنه ظلم نفسه، واللّه مجازيه وهو سريع الحساب وشديد العقاب.
وإن حدث جدال بين النبي أو أتباعه وبين أهل الأديان الأخرى، فليقل المؤمن:
قد أسلمت وجهي للّه وانقدت له وأقبلت عليه بعبادتي مخلصا لله وحده، معرضا عما سواه، فإنه أسلم هؤلاء المعارضون لهدي اللّه وقرآنه، فقد اهتدوا إلى الطريق المستقيم، وإن تولوا وأعرضوا فما على الداعية أو الرسول إلا الإبلاغ فقط، واللّه بصير بخلقه، عليم بحالهم، فيحاسبهم ويجازيهم، قال اللّه تعالى:

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8